Friday 11 January 2008

في عملية غربلة مستمر لقصاصاتي واوراقي المتناثرة تحصلت على مقال قديم كتبته في يناير
२००३
ويتناول المقال عملية تحرير العراق وارتباطها بالمبادرة الامريكية للشرق الاوسط الكبير
انشرها اليوم تزامنا مع زيارة الرئيس الامريكي لبلدي .. ولان (محد رضا ينشرها في ذلك الوقت) شنسوي بعد
هل يكون العراق .. الخطوة الأولى ؟

على الرغم من مضامين الإصلاح والتعددية السياسية في المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الشهر الماضي أو ليس ممكنا أن يكون العراق الخطوة الأولى لرياح التغيير ؟
ورغم ما تحمله هذه المبادرة من مغريات سياسية واقتصادية واجتماعية تنتظرها شعوب المنطقة منذ أمد بعيد إلا أن عامل التوقيت يقفز بنا إلى آفاق بعيدة ويطلق للعقول العنان في تساؤلاتها المشروعة .
ومن هذه التساؤلات هل يمكن أن يكون للولايات المتحدة غرض آخر من هذا التوقيت ؟ وهل هذا بمثابة إعلان لمرحلة جديدة تعصف بعدد من الأنظمة بعد استنفاذ الغرض منها ؟
ومع الافتراض بوجود النية الحسنة لما يطلق عليه "مبادرة الشراكة الأمريكية – الشرق أوسطية" هل من تبرير لوجود هذه الرغبة الأمريكية في الشراكة وإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة بعد كل هذه السنين ؟ وهل لاحد أن يدرك الفاصل الحقيقي بين الحرب على الإرهاب والحرب المرتقبة على العراق "من وجهة النظر الأمريكية" ؟
تشير إحدى احدث الدراسات الاستراتيجية التي أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية بجامعة الكويت أن الأوضاع الدولية الحالية تخلق فرصة مثالية لتؤكد الولايات المتحدة أنها قادرة فعلا على لعب دور القوة العظمى الوحيدة في العالم
ويقول واضع هذه الدراسة وهو خبير استراتيجي في مجالات الطاقة أن الحرب على العراق هي المحك الحقيقي وان استخدام القوة في تغيير النظام سيقوي التحالفات الأمريكية في المنطقة والمقصود هنا التحالف الأمريكي – الإسرائيلي – التركي .
وبالنظر للمناخ الاستراتيجي الحالي الذي تنتظر فيه روسيا لعب دور البديل لنفط الخليج لما تملكه من احتياطيات نفطية وقدرة انتاجية بعد تخصيص شركاتها فإنها لن تكون منافسا حقيقيا لأمريكا في الشرق الأوسط وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي اكتفى بنقد السياسات المنفردة التي تنتهجها الولايات المتحدة وهو عمليا يسعى لحماية مصالحه التجارية إلا انه لا يملك القوة اللازمة للمواجهة.
وعلى الصعيد الآسيوي فان موقع اليابان والصين (جيوسياسيا )لا يمكنهما من اتخاذ إجراء مباشر ضد المبادرات الأمريكية أما الهند وباكستان (حلفاء واشنطن) فليس بغريب إن قامتا بدعم واشنطن عندما تتعلق المسألة بالقضايا السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط مع التذكير بما تمارسه الولايات المتحدة من سياسات الترغيب والترهيب لهما وللآخرين .

ومن مرتكزات المبادرة الأمريكية القائمة على ثلاثة محاور أساسية هي الإصلاحات الاقتصادية والتعددية السياسية والتنمية الاجتماعية – الثقافية (التعليم) نجد أن عملية التغيير المتوقعة تشمل عددا من مناحي الحياة في المنطقة مع الاقرار بتداخل هذه المجالات بعضها ببعض بالنسبة لشعوبها .
وفي قراءة الجمل الرئيسية من نص المبادرة التي تشير الى " أن الوقت قد حان لإرساء أساس صلب للأمل" و"سنتواجد على الأرض للاستماع إلى أهلها" نستشف أن الإدارة الأمريكية تتعهد بتحريك الرمال تحت المياه الراكدة ولكن باتجاه الحياة وفق النموذج الأمريكي
ويثبت التاريخ المعاصر أن الأنظمة الشمولية قابلة للتغيير وللإصلاح السياسي والاقتصادي مهما كانت درجة انعزاليتها إذا ما توافرت بعض الظروف وليس أدل على ذلك من الاتحاد السوفييتي السابق .
ويرى المراقبون أن المنطقة العربية ليست بمعزل عن هذا التغيير الذي يرسخ حكم القانون وحرية الرأي رغم خصوصيتها الثقافية والدينية إلا أن ما تعانيه من خلل في مجالات التنمية والإصلاح يجعل منها منطقة ساخنة قابلة للانفجار .
ولا شك أن المنطقة العربية تعتبر من اكثر مناطق العالم الثالث تخلفا في النواحي السياسية والاقتصادية حسب تقرير التنمية البشرية العربية لسنة 2002 وان السيادة الوطنية قد تقلصت حدودها في عالم "القرية الصغيرة" وان الكثير من الأنظمة العربية تستفيد من قضايا "الخصوصية والسيادة" إلا أن هذا لا يعطي الآخرين الحق في تقرير مصير المنطقة وشعوبها .
ومع الاعتراف بحق الدول في ممارسة سياساتها التي تخدم مصالحها وتحقق أهدافها وفق شرعية الممارسة ومسؤوليتها فان من الضروري أيضا أن تتلمس شعوب المنطقة طريقها لتحقيق أهدافها ولو جاءت متناقضة مع طموحات القوى العظمى .
ومن الملاحظ ان الولايات المتحدة تحاول من خلال هذه المبادرة ترسيخ مفهوم خطير وهو العمل على ربط الإرهاب بانعدام الديموقراطية والخلل في مناهج التعليم في العالم العربي متجاهلة عددا من الأسباب الرئيسية وراء ذلك من بينها السياسات الخاطئة التي تمارسها واشنطن في المنطقة .
وإذا كانت الولايات المتحدة حسنة النية في إطلاق مبادرتها وهي جادة في إرساء مبادئ الديموقراطية والحرية في المنطقة فان عليها أن تواجه مشكلة أساسية وهي فقدانها للمصداقية عند شعوب المنطقة عندما تتزاوج المعايير وتتناقض الرؤى .
ومن هنا تولد الاسئلة .. فهل لأحد القدرة على تأكيد أن المبادرات الامريكية ستتوقف عند إسقاط النظام في العراق ؟ وانه لن يكون طليعة رياح التغيير والخطوة الأولى ؟

No comments: